تعتبر شركة فولكس فاجن عنوان مهم من عناوين التاريخ الألماني المعاصر، ومعها نبدأ حكاية عن شركة عمرها اليوم حوالي 86 سنة، ولدت فولكس فاجن في وقت كانت أوروبا كلها تكتب تاريخها من جديد، ويمكن ان هذا التاريخ كتب بالدم والنار، ورغم ذلك قدرت فولكس فاجن ومن تحت ركام الحرب العالمية التانية أن تستمر وتبقى اسطورة صناعية في عالم السيارات، سواء بحجم المبيعات أو بحجم ونوع الشركات العالمية التي تحت مظلتها.

تأسست شركة فولكس فاجن في 28 مايو 1937 في مدينة فولفسبورج، وأسستها الحكومة الألمانية التي كان على رأسها الزعيم النازي أدولف هتلر التي كانت فكرته هو شخصيا أن تكون فيه سيارة صغيره تقدر تحمل شخصين بالغين وبالكتير 3 أطفال، وفعلا تم التخطيط من الناحية الميكانيكية ان السياره هذه تصل لسرعة 100 كلم في الساعة/ وتكون بسعر معقول جدا.

اسم السيارة كان يعبر عن فلسفة حكم هتلر في ذاك الوقت، وحملت اسم  Volkswagenwerk وكلمة (Volks) بالألماني معناها الشعب، وكلمة (wagen) معناها سيارة، يعني باختصار اسمها سيارة الشعب، وكان الزعيم النازي أدولف هتلر يرى ان انتاج سيارة رخيصة يقدر أن يشتريها أي مواطن ألماني تكون جزء مهم من الدعاية له ولنظامه، رسميا طلب هتلر بنفسه عام 1938 من فرديناند بورشه الذي أسس شركة بورشه بعد ذلك، أن يصنع تصميم  لسيارة الشعب، وفي 24 مايو من نفس العام وضع هتلر حجر الأساس للمصنع الذي سينتج السيارة/ وأطلق عليه رسميا KdF-Stadt، ولكن الحلفاء غيروا اسمه بعد انتصارهم في الحرب العالمية التانية عام 1945 إلى مصنع فولفسبورج.

اشتعلت الحرب العالمية الثانية عام 1939، وهو نفسه العام الذي اكتمل فيه بناء المصنع، لكن بسبب الحرب توقف انتاج السيارات المدنية التي أنشئ المصنع من أجلها، وتحول كله للإنتاج العسكري، وطبعا مثل غيره من المنشآت الألمانية كان مصنع فولكس فاجن هدف لقصف طائرات الحلفاء في السنوات الأخيرة من الحرب والتي دمرته بالكامل، انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945 بانتصار الحلفاء، وانتحار هتلر حسب معظم الروايات التاريخية واستولى الجيش الأمريكي على مصنع فولكس فاجن، وبعد ذلك تم تسليمه للبريطانيين لأن المصنع كان في مدينة فولفسبورج التي كانت في المنطقة الخاضعة لسيطرة البريطانيين.  

في الوقت هذا عرضت بريطانيا الذي كان المصنع ومدينة فولفسبورج تحت نفوذها على شركة فورد الأمريكية أن تأخذ المصنع مجانا وتديره، ولكن من المفارقات ان فورد رفضت العرض، وحاول الانجليز تقديم نفس العرض لشركات سيارات أمريكية وفرنسية وبريطانية وأسترالية، والكل رفض بحجة أن شركة فولكس فاجن لا تساوي شيء، وكانت في نظر كل هؤلاء أن الشركة والمصنع مجرد خردة حرب.

رغم رفض الجميع إعادة إحياء مصنع فولكس فاجن, إلا انه كان كولونيل بريطاني اسمه إيفان هيرست قد رأى سيارتين فولكس أعاد بناؤهما بعض العمال, وكان الكولونيل بعيد النظر وأعجبته فكرة السيارة, وبدل ما يتم تفكيك المصنع أو إزالته طلبت الحكومة البريطانية بتوصية منه ان شركة فولكس فاجن تعود لتصنيع هذه السيارة، وبدأ المصنع فعلا الانتاج بمعدل 1000 سيارة شهريا، لكن ليس بسبب المواطن الألماني، لأن معظم انتاج المصنع كان يذهب لخدمة القوات البريطانية في المانيا في ذاك الوقت. الانتاج كان محدود جدا لأن الحلفاء الذين كان على رأسهم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وضعوا قيود على الصناعة الألمانية عامة بعد الحرب، ومنها صناعة السيارات، وكان مسموح للمصنع أن يبيع  10٪  فقط من الانتاج للألمان.

ومع بداية العام 1948 عادت شركة فولكس فاجن للحياة من جديد وهذه المرة تحت إدارة ألمانية وبدأت في تصحيح أوضاعها وفي العام 1949 تم بيع أول سيارتين في الولايات المتحدة الأمريكية ولما تقبّل السوق الأمريكي بإعجاب سيارة فولكس فاجن بشكل غير عادي، قررت شركة فولكس ان تصدر معظم انتاج المصنع للسوق الأمريكي، ووصل الانتاج  إلى مليون سيارة عام 1955.

وبدأت شركة فولكس فاجن بالتعافي من آثار الحرب والدمار وتخرج بالتصنيع خارج ألمانيا نفسها وفي عام 1959 بدأ الإنتاج في مصنع جديد بالقرب من ساو باولو في البرازيل ومع بداية العام 1960 تحولت فولكس فاجن لشركة مساهمة وفي نفس العام كشفت الشركة عن السيارة بيتل الشهيرة باسم الخنفساء, واللي صارت من أشهر السيارات في العالم وأكثرها مبيعا/ وكانت تعمل بمحرك سعة 1.2 ليتر بقوة 36 حصان وهذه السيارة تجاوزت مبيعاتها 21 مليون سيارة، الفولكس فاجن البيتل او الخنفساء، تحولت لعلامة من علامات فولكس لكن بمرور الوقت صارت جزء من ثقافة ألمانيا، أي LIFE STYLE أو بالعربي أسلوب حياة لناس كثير.

ننتقل مع فولكس فاجن لبداية سبعينيات القرن الماضي عندما أطلقت الشركة مجموعة من أنجح السيارات، والتي كان من أبرزها فولكس فاجن باسات التي تم تدشين الجيل الأول منها عام 1973 وهي سيارة سيدان عائلية قدرت أن تحتل مكانة كبيرة عند الملايين، وفي العام التالي 1974 كشفت الشركة عن سيارتها الجولف التي تعتبر حتى اليوم السيارة الأكثر مبيعا لفولكس فاجن بالأسواق الأوروبية وأيضاً من بين أفضل ثلاث سيارات مبيعا في العالم وحتى عام 2019 باعت منها فولكس أكثر من 35 مليون سيارة وبعد الجولف وفي عام 1975 دشنت فولكس الجيل الأول من سيارتها بولو والتي تعتبر طراز معدل من السيارة أودي 50.

كبرت جدا فولكس فاجن، وانتقلت من مرحلة نجاحها كشركة لأن تكون كيان أكبر, أو امبراطورية سيارات عالمية/ عندما بدأت في التوسع عن طريق الاستحواذ على شركات السيارات العالمية/ بدأت فولكس فاجن بالاستحواذ على شركة أوتو يونيون عام 1965 والتي صار اسمها بعد ذلك شركة أودي واشترت عام  1986 خمس وسبعين في المائة من أسهم شركة سيات الأسبانية, وبعد 4 سنوات استحوذت عليها بالكامل/ وفي عام 1994 اشترت 31 في المئة من أسهم شركة سكودا/ وبعدها اشترت اسهمها بالكامل فولكس على الاستحواذ انتقلت من الوجبات الصغيرة للولائم الكبيرة/ وهذه المرة اتجهت فولكس فاجن للماركات أو العلامات الفاخرة/ واستحوذت على شركة بنتلي/ ولامبورجيني/ وبوجاتي في العام 1998, وبعدهم استحوذت على شركة دوكاتي للدراجات النارية وشاحنات مان أما شركة بورشه فاستحوذت عليها عام 2012  الزعيم النازي أدولف هتلر استعان بالمهندس فرديناند بورشه مؤسس شركة بورشه عام 1938 علشان يصمم سيارة الشعب فولكس فاجن وبعد 75 سنه تشتري فولكس فاجن شركة بورشه واستمرت الشركة في خططها للاستحواذ, وحاليا تضم تحت مظلتها 12 علامة تجارية وقدرت خلال النصف الأول من عام 2016 أن تتجاوز مبيعات تويوتا وجنرال موتورز وتحتل المركز الأول عالميا وقدرت أن تحافظ على لقب أكبر مصنع سيارات في العالم من عام 2016 ولغاية 2019

عام 2015 تأثرت الشركة جدا بسبب فضيحة الانبعاثات أو ما عرف إعلاميا بفضيحة (ديزل جت) ورسميا اعترفت الشركة بالتلاعب بالمعايير البيئية لمن برمجت بعض سياراتها والتي تعمل بالديزل بحيث يشتغل برنامج مراقبة الانبعاثات، ولكن عندما يتم عمل اختبار للسيارة/ وطبعا البرمجة المضللة بالشكل هذا أدت سيارات فولكس فاجن على أن تظهر أنها أقل تلوثا بنحو 40 مرة مما هي عليه في الواقع/ وتسببت فضيحة ديزل جيت في اجبار الرئيس التنفيذي للشركة وقتها مارتن فينتركورن (Martin Winterkorn) على الاستقالة.

رغم بشاعة فضيحة ديزل جيت لكن فولكس استطاعت ان تتجاوز آثارها وتستعيد ثقة الناس حول العالم بسرعة وترجع  للمنافسة العالمية بقوة واليوم فولكس فاجن حسب التقارير العالمية في 2022 هي ثاني أكبر مصنع سيارات في العالم بعد شركة تويوتا اليابانية وتخطت مبيعاتها حاجز الـ 10 ملايين سيارة ومن المتوقع جدا ان تكون فولكس فاجن في طريقها لقمة صناع السيارات في العالم خلال السنوات القادمة.