تتطور تقنيات السيارات الحديثة بسرعة كبيرة، لكن هذا التقدم لا يهدف فقط إلى الراحة، إذ تخفي الأنظمة الذكية تقنيات تجمع كماً هائلاً من المعلومات عن السائق مثل موقعه وأحاديثه وحتى وزنه وعدد مرات استخدامه للمقعد. هذا الواقع الجديد يثير تساؤلات حول ما إذا كنا ما زلنا نقود سياراتنا أم أن سياراتنا هي من تراقبنا.
السيارات الجديدة أصبحت منصات رقمية متصلة بالإنترنت، تُسجّل كل حركة يقوم بها السائق وتُرسلها إلى الشركات المصنّعة أو شركائها التقنيين. وتحتوي على عشرات أجهزة الاستشعار والميكروفونات التي كانت مخصصة لتحسين الأمان أو التعرف الصوتي، لكنها باتت تجمع تفاصيل دقيقة عن السلوك داخل السيارة.
تُخزن شركات السيارات هذه البيانات وتستخدمها لتطوير الخدمات، لكنها قد تبيعها أيضاً لشركات التأمين أو التسويق ضمن ما يعرف بتحليل سلوك المستخدم. الميكروفونات المدمجة قادرة على تسجيل الأصوات داخل المقصورة ونقلها عبر الإنترنت بحجة تحسين التعرف على الصوت، ما يجعل السيارة بيئة مراقبة مستمرة.
حتى مقاعد السيارات مزودة بمستشعرات دقيقة تقيس وزن الجالس وتتعرف على من يقود، وبعض الأنظمة تحلل حركة الجلوس لتقدير الإرهاق أو التركيز، ما يسمح بتكوين ملف سلوكي شامل عن السائق.
أما تطبيقات الهواتف المرتبطة بالسيارة فتوفر سهولة في الاستخدام لكنها تجمع بيانات تفصيلية مثل أوقات القيادة والمواقع المفضلة ونمط القيادة. وتُستخدم هذه المعلومات لتحسين الخدمات أو لأغراض تجارية وتسويقية.
الجانب المظلم لهذا الاتصال الدائم هو خطر تسرب البيانات أو إساءة استخدامها، خاصة مع غياب قوانين واضحة لحماية الخصوصية. كثير من السائقين لا يدركون حجم المعلومات التي تُجمع عنهم أو يوافقون عليها دون قراءة الشروط. ورغم صعوبة تعطيل هذه الأنظمة، يمكن تقليل المخاطر من خلال مراجعة إعدادات الخصوصية، تعطيل الاتصال التلقائي بالإنترنت، وتجنب ربط الحسابات الشخصية بالسيارة.
يتجه مستقبل السيارات نحو مزيد من الذكاء والاتصال، لكن الحدود بين الراحة والمراقبة أصبحت غير واضحة، فالسيارة لم تعد مجرد وسيلة نقل، بل جهاز رقمي متطور يعرف عن سائقه أكثر مما يتخيل.